المساهمات : 211 تاريخ التسجيل : 03/11/2008 العمر : 33
موضوع: وفينك؟؟ الأحد نوفمبر 09, 2008 2:00 pm
التقينا ذات مساء.. تعارفنا بالروح.. تكلمنا بالنظرات.. ثم افترقنا دون أن نتبادل كلمة واحدة. ............................ كام عام ومواسم عدوا... وشجر اللمون دبلان على أرضه.. ............................... "محمد منير": صوت الجنوب الدافئ يحمل أشجان النوبة الراقدة في أعماق النيل كقربان بشري من أجل حياة وطن يعانق مصيره في استسلام.. "محمد منير": صوت يحملني من صبا مترع بالأحلام إلى كهولة مفعمة بالشجون.. ......................... وفينك؟ ............................ أتذكرها وجها مريحا.. شقراء رقيقة الملامح لها طابع راقٍ وعملي في الوقت نفسه.. تبدو كمهندسة معمارية إذا لم يخِب حدسي.. التقيتها في مسرح الأوبرا المفتوح في حفلة شتائية ليلة رأس السنة.. كان الشتاء يفيض شجونا والليل يتسع حزنا ولم يكن ممكنا لقاعة مهما كانت ضخامتها أن تتسع لعشرات الألوف من عاشقي المطرب الجنوبي الذي سلك وعبَّد وزرع دروب العاشقين.. ............................... وفينك؟ ..........................
لم يكن ممكنا ألاّ ألاحظ هذا الوجه الأليف.. تحمل طفلا صغيرا تتناوب حمله مع فتاة أخرى.. لم أعرف من فيهما أمه؟.. وإن كنت رجحت أنها الشقراء ذات الوجه المريح والسمت المهذب والملابس العملية.. كان "منير" يشدو وسط عاصفة هستيرية من الإعجاب.. وكانت تصغي إليه والعبرات تنهمر على وجهها الشاحب.. قدرت أنها تقارب الثلاثين من عمرها الذي كان واضحا أن محطاته الرئيسية كانت على مشهد من أغاني "منير".. هذه الأغنية بالذات ......................
بيني وبينك أحزان ويعدوا.. بيني وبينك أيام وينجضوا.. (هكذا ينطق القاف جيما على عادة النوبيين المحببة( وفينك؟ .........................
لم أستطع أن أنزع عيني من ملامح هذا الوجه المُعذَّب.. كانت شجون الذكريات تتجمع على وجهها التي صار كصفحة سماء تحتشد بالغيوم.. وعلى خلفية من الأضواء الشاحبة المترقرقة تبرق سماؤها وترعد غيومها ثم ينهمر مطرها.. وحدي من انتبهَ إلى تلك الأمطار الاستوائية تهمي بغير انقطاع غير قادرة على مسحها وهي تحمل طفلها على كتفيها وتمسك به بقوة بكلتا يديها........ وأنا أحمل قلبي على كتفي.. أمسكه بقوة.. بكلتا يدي أمسكه.. عاجزا عن مسح دموعي بيدي كيلا أفلته.. ووسط الناس أسير حاملا القلب الثمين لا يراه سواي.. أتشبث به بقوة العشق وأستميت.. تذكرت محنة الفراق.. وهتفت أنا الآخر من أعماق قلبي: وفينك؟............... ...............................
وفينك؟ أنا من غيرك أنا مش عاجل ولا مجنون ده أنا مطحون والدنيا دي رحاية وجلبي حب الحب وحباب عيون ......................................
حياة قلْب ومصير عمْر.. كنت أشعر بها.. هذه الأغنية ذكرى عزيزة لها فيما يبدو.. سمِعَتْها وهي قلب أخضر تطالع دروسها وتخطط لمشاهدة السينما مع صديقاتها.. وسمِعَتْها وقلبها يخفق لحب زميلها في الكلية.. هل كان طالبا معها في نفس الصف؟ أم كان يكبرها بعدة أعوام؟.. وسمِعَتْها والأيام تحفر قبر الحب الأول والمعول يهيل التراب على القلب الأخضراني الذي لم يعد كذلك: ينقض معول الفراق فانتفض من الألم وأصرخ: وفينك؟ .......................
وفينك؟ كل شيء بينسرق مني العمر من الأيام والضى في النني.. وكل شيء حواليا يندهلي جوايا باندهلك.. يا ترى بتسمعني؟ .....................
والليلة تسمعها وهي تحمل طفلها من رجل آخر (هكذا الحكاية دائما).. يمكنها أن تبكي بحرقة في الظلام الشتائي.. ويمكنني أن أبكي بحرقة محاصرا أنا الآخر بين شجون وذكريات... لا أحد يراها وهي تبكي أيامها.. هكذا كانت تظن دون أن تعلم أني طيلة ساعات لم أحول عيني عن وجهها دون أن تشعر.. متعبة كانت.. حزينة كانت.. سعيدة كانت.. شريكتي في التعب والحزن والسعادة.. متسربلة في ظلام الليل تتعاقب على وجهها المبتلِّ بالدموع ذكريات عمرها كله.. يجففه نسيم الليل فتفيض الذكريات بالدموع.. تصرخ الدموع: فينك؟ ..................
وفينك؟ بيني وبينك أحزان ويعدوا بيني وبينك أيام وينجضوا.. ....................
وفجأة وجدت الفتاة الأخرى تهمس لها في أذنها بشيء لم أتبينه فالتفتت إليّ فجأة.. وتلاقت عينان معروفتان بالدموع لبرهة طالت.. قالت هي كل شيء.. اشتكت وبكت.. وقلت أنا كل شيء.. اشتكيت وبكيت.. ثم مضى كل منا في طريقه.. ولم نلتقِ بعد ذلك أبدا.. ...............................
الأحد نوفمبر 09, 2008 2:00 pm